الأديب إبراهيم خليل إبراهيم من المبدعين الذين يعشقون الكلمة الصادقة .. فهو يكتبها بكل خلجات نفسه ونبضه سواء كانت نثرا أو شعرا أو قصة أو بحثا أو حواراً صحفيا.
تابعت كتاباته المتعددة والمتنوعة فنادانى جمال إبداعه ونقاء صدقه لأن أكتب سطورى هذه ولم يعلم بها الأديب الجميل إلا بعد نشرها .. ففى نصه الذى بعنوان ( يا .. ) نذكر قوله :
يازينة الصبايا / وياعطر البلد
ياللى حبك دوايا / وفجرى اللى أتولد
وأخر حلمى حبك / وغاية المدد
شاهده النجوم عليا / وحواديت البلد
الشعر العامي يطلق فيه الشاعر موجات من المشاعر بلغة سهلة تصل إلى القلب بسرعة وهذا ما يميز الشعر العامي .. سهولة ألفاظه وقوة معانيه ووصوله إلى العينات المستهدفة من طبقات الشعب ففى عنوان النص ( يـــا ) قد بدأ شاعرنا الصادق بالمناداة وحرف الياء هنا حرف منادة للقريب والبعيد في آن واحد .. ونكمل مع الشاعر المرهف الحس إبراهيم خليل إبراهيم و ندخل بمفتاحه بداية القصيدة ( يا زينة الصبايا ) هنا ينادي الشاعر مخلوقة أنثى .. ربما تكون إبنة الشاعرأو رمزاً لوطن .. لا زالت في مرحلة النضوج والشباب .. في مرحلة التفتح وهي مرحلة عمرية من 8 إلى 18 أو 20 .. ( يا زينة الصبايا ) وهذه المناداة تلفت المتلقي وتضعه في حالة من الإنتباه لما سوف يأتي فيقول ( وياعطر البلد ) فقد أكمل الوصف بهذه اللغة السهلة والمفهومة وهنا يصفها الشاعر بأنها ( عطر هذا البلد ) أي .. مصر العربية وهى كناية عن الوردة الفواحة التي تفوح منها العطر والطيب في كل مكان .
ثم يقول الشاعر إبراهيم خليل إبراهيم ( ياللى حبك دوايا ) وهنا يشير شاعرنا إلى هذا الحب المتأصل في داخله والذي اخترق الفؤاد فيه وسكن الروح لديه .
وفى صورة شعرية رائعة يقول ( وفجرى اللى أتولد ) فالصبية هى العطر والحب والفجر الطالع من الغسق بعد الليل وهذا يعد ولادة جديدة حيث أن كل فجر يوم هو الولادة الجديدة لهذا العالم بصخبه وحلوه وحزنه .. ويتصاعد بوح الشاعر إبراهيم خليل إبراهيم حيث يقول ( وأخر حلمى حبك / وغاية المدد ) فحبك أيتها الصبية .. أيتها البلد هو حرارة الحلم الناطق على الجسد والنابض في القلب وغاية المدد .. وغاية الطلب ونهاية الشيء من الأرب … ويُشهد الشاعر على ما قاله من قول أو فعل .. النجوم التي في السماء ويلحقها في الحواديت أو القصص القصية أو الحكايا المتداولة في البلد وهما دليل على صدق الشاعر تجاه المتلقي ونتابع تأكيد الشاعر على زينة الصبايا ويا عطر البلد ( شاهده النجوم عليا / وحواديت البلد )
قصيدة صيغت باللغة العامية السهلة القريبة من قلب المتلقي والتي تعالج هموم طبقات الشعب بكل أريحية ونبضها يكون قريب من نبض الشارع ومشاكل المواطن العادي الذي يتحسسه الشعر العامي أو الشعبي .
قصيدة تحمل عبارات الوفاء فى زمن قل فيه الوفاء وأصبح الصديق الوفى صعب المنال .
إذا انتقلنا لقصيدة أخرى نجد الشاعر المبدع يقول تحت عنوان ( لقياها ) :
ويوم اللقاء
يجىء الربيع
وعند الوداع
يأتى الصقيع
تغيب الأمانى
وقلبى يضيع
لقياها …. قصيدة من قصائد الومضة الشعرية التي تبرز فيها مقدرة الشاعر على الاختصار والتكثيف في البوح والمعنى وإيصال القضية إلى قلب المتلقي المثقف بكلمات معدودة وغنية وقوية وهنا تبرز أيضاً مقدرة المتلقي في فهم ماذا يريد الشاعر من هذه الومضة الشعرية السريعة والتي ربما يختلف الاثنان في تفسيرها وإعطاء أكثر من فكرة لها ومعنى .
هذه الومضة الشعرية تتكون من ستة أبيات و( 12 ) كلمة وتبدأ بقول الشاعر إبراهيم خليل إبراهيم ( ويوم اللقاء ) أي يوم أن يكون الشاعر فيه متهيئا للقاء الأحبة .. المحبوبة الأنثى .. كل ما يخطر على بال المتلقى في يوم اللقاء الذي يجمع بين أثنين .
ثم يقول ( يجىء الربيع ) فمع اللقاء يأتي الربيع بنسماته وعبق أريجه ورياحينه بكل ما في الربيع من فرح .. ولكن وداع الأحبة والوطن مثلما الصقيع ( وعند الوداع / يأتى الصقيع ) فالوداع بحد ذاته مؤلم في كل شيء .. والصقيع نقيض الربيع .. تتجمد فيه المشاعر ويتجمد الزمن عند الوداع ولا نحس فيه كأنه قطعة من الزمن مفقودة تتجمد حتى أوصالنا فيه ولا نشعر بالدفء حيث الصقيع يأتينا دوما بالبرد .
ثم يقول شاعرنا الجميل ( تغيب الأماني .. وقلبي يضيع ) أي في اللحظات الخاصة بالوداع تتبخر الأماني المحفورة في الصخر وتتلاشى في الهواء كأنها لم تكن .. والقلب يضيع في تلك اللحظات العاصفة من لحظات الوداع الصعبة التي أختصرها الشاعر هنا ببعض كلمات .
ومضة جميلة تجمع بين اللقاء ونقيضه الوداع .. بين الفرح والربيع وبين الحزن والسكون والصقيع .. كلمات عميقة جاءت في أبيات قليلة .
ننتقل إلى ومضة أخرى من ومضات شاعرنا إبراهيم خليل إبراهيم حيث قال :
الحزن .. كالغروب
يباتر القلوب ..
يبعثر الأمانى ..
ويظلم الدروب
كلمات شاعرية تتحدث عن الحزن بقامة النهار الذي يترنح حزناً مع غياب الشمس تاركاً للغروب النصر ملاحقاً جزيئات النور والفرح ويتداخل الحزن هنا في لوحة القلب من أبيض إلى أسود يفاجئ القلب كما يفاجئ النهار بتقهقره أمام جحافل الليل والغروب هنا تشبيه جميل من الشاعر بأن يشبه الحزن الذي يفاجىء القلب والكيان في الإنسان بهذه اللحظات التي تهبط عليه مثل السيف الحاد لا مقاومة تفيد غير الخضوع لهذا الغروب .. ونكمل مع الشاعر حيث يقول : ( يبعثر الأماني ويظلم الدروب ) وهنا تشبيه بديع بأن هذا الحزن الذي فاجئ القلب على حين غرة بعثر أماني الشاعر الإنسان ..القلب .. والنفس وارتمت في الدروب التي حلت عليها ظلمة الليل وتلاشى النور فكيف تسير أيها الإنسان الآن في درب مُظلم لا نور فيه.. هل تتحسس الطريق ؟ أم تقف تنتظر بزوغ الفجر الجديد ؟؟ .
هي حالة .. أجاد الشاعر في وصفها ومعانيها بقلبه ولسانه وقلمه ..
أما ( حلمي المسافر) فهى قصيدة من البوح الشفيف من نفس تاقت إلى السكون في عيون من أحب ونبدأ من النهاية حتى نفهم البداية :
حلمي المسافر في عيونك
يتوق للقاء معك .
فى بداية القصيدة يتحدث الشاعر عن الحنين والطواف :
طفتُ المدن
طفتُ القرى
طفتُ النجوع
بحثتُ عنكِ بأعين ..
فيها الدموع
من خلال الطواف خارج المدن أو المناطق السكنية يبدو لي بأن الشاعر حساس من ناحية عدم إزعاج السكان بهذا البحث لأنه بقى بعيداً عن المناطق السكنية وفي دائرة واسعة ينتظر محبوبته :
وبكل درب أسمعك
عنك اسائل أنجمى
مستحلفا أن تُُرجعك
نكمل مع الشاعر العزيز إبراهيم خليل إبراهيم حيث يتناهى له صوت الحبيبة الحنون .. يصل إلى مسامعه وإلى قلبه .. في الدروب التي يسير فيها الشاعر ونتشوق للمتابعة معه ( عنك أسائل أنجمي) وفي خلال عملية البحث والطواف يجد شاعرنا النجوم التي تشهد عملية البحث من الأعلى وترصد الأسرار فيسألها عن الحبيبة وأين هى ؟؟ ثم يستحلفها هنا ( بأنها كائن حي ) بأن تعيدها له نظراً لمعرفتها مكان المحبوبة على بساط الأرض .
الشوق أدمى أُضلعى
عساه أنَّ يوجعكِ
أبرق أنيني .. مدامعي
علاها توقظ مسمعك
صور مبدعة ورقيقة من شاعرنا الخليلى .. يتحدث عن الشوق لرؤية الحبيبة وأن الأضلاع أو الضلوع قد أدماها الشوق وطحنها وهرسها .. ومن هنا أخرج منها نزيف الشوق وتمنى أن يكون هذا الشوق والوجع فى تبادلية حميمية وتوحد وهنا يتجلى الحب في تبادل الفرح والحزن والشوق
ثم يتحدث عن الأنيين الخارج من قمة الشوق ومن القلب ومن شدة هذا الوجع تحول الأنين و تحولت الدموع إلى برق و بسرعة الضوء يصل إلى أبعد مدى .. وهنا تعبير مختلف من الشاعر فيذكر بأن البرق وضوئه وحالة سرعة الضوء تنقل أنين الشاعر إلى مسامع الحيببة (علاها توقظ مسمعكِ) ونجد الشاعر كتب ( طفتُ المدن ) ولم يكتب ( بحثت ) لأن الطواف يكون في مدار المدينة ويأخذ قطر أكبر في المساحة ولم يذكر ( بحثت ) في المدن لأن البحث يكون هنا لجزء من المدينة فالطوف حول المدن هو طواف دائري يأخذ مساحة أوسع .. ثم قال الشاعر إبراهيم خليل إبراهيم ( طفتُ القرى / طفتُ النجوع ) وهذا الطواف إنطلق من المدن إلى القرى وتوابعها ليشمل أكبر المساحات وفي البحث والطواف كانت تنهمرالدموع كالمطر من عينيى شاعرنا نظراً لشدة الشوق وعمق الحب فالحب يحولنا من بشر إلى ملائكة
وننتقل إلى قصيدة أخرى لشاعرنا إبراهيم خليل إبراهيم ونجده يقول :
يا كلمتى .. فى الحق
للظلم لا … ميت لأ
العدل خيله انطلق
وليل الضلام انشق
هِدى جدار الظلم
يدخل جراده الشق
عدى خيول السبق
قومى انصرى المظلوم
وامحى جدار الخوف
ولا يبقى فيه مهزوم
واللى طريقه الحق
مهما انكسر حيقوم
يا كلمتى .. في الحق
عنوان القصيدة ( يا كلمة الحق) يشد المتلقي لما يحمله من عنفوان وقوة في التحدي وهو يجعلنا نتخيل قوة القصيدة والبناء المحكم و عندما نطرق أبوابها فاتحين لها قلوبنا لنسمع صدى حروفها :
يا كلمتى .. فى الحق
للظلم لا … ميت لأ
العدل خيله انطلق
وليل الضلام انشق
هدى جدار الظلم
يدخل جراده الشق
هذا المقطع يمثل بداية قصيدة غنائية بصوت متوهج يرتفع درجة .. درجة للأعلى .. تقترب من الأناشيد العسكرية في ساحة الحرب مع الطبل ذو الصوت الهادر.
وبدأ شاعرنا إبراهيم خليل إبراهيم هنا بمخاطبة ذاته أولاً ( يا كلمتي .. في الحق ) حيث نشعر هنا بأن الشاعر يحمل سيفاً من الكلمات والمشاعر الصادقة التي تصل إلى حد السيف القاطع الحاد في الحق الذي لا يعرف الخوف هنا ( للظلم لا .. ميت لأ .. ) الجملة هنا أتت للتأكيد على الحق ورد الظلم وهنا تأكيد عددي ولفظي .
ونتابع مع الشاعر الفاضل إبراهيم خليل إبراهيم حيث يخبرنا بأن عدالة السماء نزلت إلى الأرض بخيلها الذي انطلق .. وهنا وصف فني بليغ من الشاعر وتصوير شعري بديع نقف عليه بهذا التصوير ونكمل بهذا التصور بانقشاع ليل الظلام وأن سيف الحق قد فصله إلى نصفين وبفعل قوة الخيل والعدالة انتهى جدار الظلم القائم على الزيف والباطل وأن هذا الشق دخله الجراد .. وهنا أيضاُ نقف على صورة شعرية بالغة الدقة من الشاعر بتصوير الجراد الكثير يدخل هذا الشق الذي فصله الحق بحيث لا يستطيع الظلم معاودة الالتحام مجدداً .. والجراد هنا يعود على كثرة الظلم.
ثم يقول شاعرنا :
عدى خيول السبق
قومى انصرى المظلوم
وامحى جدار الخوف
ولا يبقى فيه مهزوم
واللى طريقه الحق
مهما انكسر حيقوم
يا كلمتى .. في الحق
في هذه الملحمة الإسطورية بين الحق والظلم نجد هنا هنا التصوير الرائع من الشاعر والحق تمثله خيول السبق ويطالبها شاعرنا بنصرة المظلوم المسحوق وأن تنسف من قلب المظلوم جدار الخوف المتغلغل فيه حتى لا يشعر بأنه مهزوم أمام جحافل الظلم التي تنتشر مع هبوط الليل .. ويخبرنا الشاعر إبراهيم خليل إبراهيم عن حكمة بليغة ( واللي طريقه الحق … مهما انكسر حيقوم ) فالحق لا يكسر .. والخير دائما سوف ينتصر مهما ضلل الزيف الأوضاع بين الناس .. و ضوء النهار سوف يشرق .. والليل سوف ينقشع وينجلى أمام جزئيات الضوء التي تنتشر وتنتصر .
والشاعر إبراهيم خليل إبراهيم يحب أمه بصورة لا يمكن وصفها .. يحرص على تقيبل يديها ودعواتها الطيبة التى تعد له حصناً ودرعاً واقياً فى مسيرته الحياتية والأدبية وبعض هذا الحب جاء فى قصيدته ( يا أمي ) هذا النداء المتجدد في كل مراحل العمر .. الأم هي تاج الرأس وتاج هذه القصيدة التي تفيض فيها المشاعر بصدق وحنان من قبل الشاعر وهذه القصيدة يمكن للمتلقي أن يقرأها بقلبه وعواطفه ومشاعره :
دايما بتدعيلى / دايما تباركيلى
صورتان وضعهما شاعرنا إبراهيم خليل إبراهيم في بداية القصيدة لتذكيرنا هنا بأهمية دعاء الأم خاصة عندما يهم الإنسان في السفر أو الخروج من البيت للعمل أو فى كل الأحوال .. دعاء الأم الذي يرتفع فوق سبع سماوات ليصل إلى عرش الرحمن .. دعاء نحن بحاجة له مثل شرب الماء الذي يحيينا .. ويا لموقف هذا الشاعر الذي يخبرنا بهذا الرضا الذي يتلمسه في حروفه وقصائده ( دايما بتدعيلي .. دايما تباركيلي ) ما أحلى لحظات الإنسان عندما يخرج من بيته محفوفاً بهذا الدعاء وهذه البركة .
ودعوتك ياامه / قمره فى ضلام ليلى
ورضاكى فيه بركة / بتشدلى حيلى
فى الغربة اشوف ونسك / بالسعد بيجيلى
فى القسوة بتحنى / ياسكنه فى الننى
يديكى من عمرى / وياخدوا السنين منى
يا أمى برضاكى / المولى يرضينى
ورزقى فى دعاكى / وربى يدينى
نكمل مع الشاعر الجميل إبراهيم خليل إبراهيم في هذه القصيدة العابقة بالحنان والحب من إبن بار بوالدته حيث يخاطب أمه ويشرح لها تأثير هذه الدعوات المباركة فهي تضيء له الطريق مثلما يضيء القمر الليل وهو تشبيه رائع في مثل هذا الموضوع ، وأن رضاها يبارك له في الحياة والمعيشة ويجعله في الغربة البعيدة يشعر بأنفاسها ووهج الحياة ويتصورها بجانبه مع كل خطواته.. وما أحوجنا لدعاء الأم وبركتها في هذه الحياة وهو تذكير جميل من الشاعر للمتلقي بأن يذهب بقلبه إلى أمه ويرجو بركاتها ودعواتها الصالحة.
وفى الختام أؤكد على أن القصائد رغم بساطتها الظاهرة إلا أنها تحوي عمقا كبيرا في المعنى لأنها تحوي نظرة للحب الخالد .. للوطن وأحواله فصارت الأم .. الحبيبة .. الأرض .. الوطن .
كما أؤكدعلى أن مارصدته هنا قطرة من بحر إبداع الشاعر والمبدع الصادق والأخ الوفى إبراهيم خليل إبراهيم .. وأتمنى له من الله تعالى كل التوفيق والسداد والفلاح .